بابتسامة صافية تستقبل صفية زغلول، زبائنها من أبناء بولاق الدكرور، حديثها ينم على أصول طيبة وتعليم راقٍ، تجلس ومن أمامها بعض الأطباق البلاستيكية ذات الحجم الكبير مليئة بألوان من الجبن والقريش والقشطة وغيرها من البيض الصابح.
اليوم الشاق يبدأ من الفجر
مع دقات عقارب الساعة الرابعة فجرًا تبدأ صفية يومها الشاق بداية من تحضير وجبة الإفطار لأطفالها في عجالة شديدة ثم تسرع مع غيرها من السيدات إلى السيارة ربع نقل تقلهن من محافظة البحيرة إلى الجيزة.
مع نسيم الساعات المبكرة من الصباح تدخل السيدات خلال رحلتهن إلى الجيزة في نوبة نوم عميقة، حتى تشرق عليهن الشمس وتيقظهن بألسنتها الحارقة، وقالت: «الساعة اللي بنامها في العربية لما بنطلع من بيوتنا بالدنيا كلها شوية نسيم يردوا الروح».
«صفية» كغيرها من السيدات اللاتي يدعمن أزواجهن، ففي ظل ضغوط الحياة الاقتصادية وجدت أن خوض العمل ضرورة حتمية لتوفير مصرفات ابنائها الأربعة في مراحل تعليمية مختلفة، وقالت: «جوزي عامل محارة يوميته يادوب 140 جنيه ومش بيشتغل كل يوم».
تطبيق الدراسة في الحياة العملية
وكانت شهادة كلية التجارة ودراستها فرصة في استغلال النظريات العلمية في ترويج منتجاتها البسيطة من جبن وقشطة وغيرها، وببعض الكلمات الشارحة البيسطة تستطيع «صفية» استقطاب زبائنها، وتابعت: «التجارة رزق بتاع ربنا وبرضو شطاره وفهلوة».
واستكلمت: «أكبر ولادي اسمه أحمد في الإعدادية في اجازة الصيف بيشتغل مع ابوه وبيساند حتى لو بقرش أهو بيجيب مصاريفه»، تشير بائعة الجبن إلى أن زوجها حريص على غرث فكرة الاعتماد على الذات داخل الأبناء فما إن يشتد عود الولد حتى يخرج للاعتماد على نفسه في توفير متطلباته المادية.
تعود صفية للحديث عن رحلتها من البحيرة إلى الجيزة، وقالت إن السيارة بعد ما تقلها إلى بولاق الدكرور تكمل السيارة رحلتها في توزيع السيدات على المناطق المختلفة بالجيزة، وبعد ساعات من آذان العصر تعود السيارة من جديد لجميع السيدات مرة أخرى لنقلهن إلى بلدتهن.
«الناس بنتظروني كل أسبوع يوم الجمعة علشان يشتروا مني».. تشير «صفية» إلى أن الإقبال عليها كبير من قبل أهالي بولاق الدكرور خاصة الصعايدة ليكي يستطعمون الجبن والقشطة والمأكولات الطازجة التي تعيد ليهم ذكريات اللمة الحلوة على مائدة الطعام.
مشكلات عديدة واجهتها «صفية» خلال رحلة عملها مع السيارة ربع نقل، ومنها انفجار اطار السيارة خلال رحلة العودة من الجيزة إلى بلدتها، وقالت: «مع حرار الجو.. ونار الأسفلت والحمولة الثقيلة انفجر الكاوتش وكلنا كنا هنموت».
تصمت بائعة الجبن للحظات ووتذكر عبارة رجل خمسيي قال لها «ليا بنت في سنك ليا سنين مشوفتهاش انتي بتفكريني بيها»، قالت «صفية» إنها شاهدت دموع الرجل في عينيه حينما ذكرته بابنته التي تزوجت في الصعيد ولن يراها منذ شهور طويلة، وتابعت: «اللي بينزل السوق ياما بيشوف ويسمع».
تلك الروايات والقصص التي تراها بائعة الجبن تقضي بها أوقاتها مع غيرها من السيدات على العربية الربع نقل حتى يستطعن التغلب على زهق حرارة الجو وحتى أن تنتهي القصص وروايات السوق يجد أنفسهن على مقربة من بلدتهن.