من السياسات الجديدة للمشرع المصري تركيزه علي حماية المبادئ أو القيم الأسرية السائدة في المجتمع المصري ، وتعد هذه السياسة متماشية مع ما ورد في النص الدستوري الوارد في المادة 57 من الدستور المصري الحالي التي تنص علي أنه :- ” للحياة الخاصة حرمة, وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون.
كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها , ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك، وكذلك المادة 309 مكررا من قانون العقوبات التي تنص علي أنه :- ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه:
(أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
(ب) التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً. ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما تحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.
ويمكن تعريف القيم والمبادئ الأسرية علي أنها مجموعة الأخلاقيات والمثل الاجتماعية السوية التي يسعي المجتمع علي المحافظة عليها ، ونقلها للأجيال القادمة عن طريق التربية والتعليم مثل الصدق، والامانة، والشرف ، وحب الخير وكافة المثل المستقاة من الدين .
ولقد اهتم المشرع بإسباغ الحماية الجنائية علي القيم والمبادئ الأسرية بعد شيوع استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي عبر شبكة المعلومات الدولية ” الإنترنت ” فقد شهد المجتمع المصري في غضون عام 2020 أحداث واقعة غريبة علي واقع وثقافة المجتمع المصري بكل فصائله ، وهي الواقعة المعروفة إعلامياً بفتاة التيك توك ، حيث اتُهمت فيها فتاتين ، الأولي قامت بنشر صور ومقاطع فديو مرئية مخلة وخادشة للحياء العام علي حسابها الشخصي علي شبكة الإنترنت ، والثانية قامت بالإعلان عن طريق حسابها الشخصي لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقاصرات إلي وكالة أسستها عبر تطبيق التواصل الاجتماعي المسمى ” لا يكي” للقاء الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن علي أجر يتحدد بمدي اتساع مساحة المتابعين لهذه المحادثات ، فقدما للمحاكمة في القضية رقم 479 لسنة 2020 أمام المحكمة الاقتصادية بالقاهرة والتي قضت بمعاقبة المتهمتين بالحبس سنتين لكل منهما لإدانتهما بالتعدي علي القيم الأسرية ومبادئ المجتمع وتغريم كل منهما 300 ألف جنيه .
و لقد بدأ ترديد مصطلح القيم والمبادئ والأسرية بكثرة مع بدايات القرن العشرين والواحد والعشرين بعد الحرب العالمية الثانية في محاولة للعودة للأصول والتقاليد السوية بعد المد المتزايد من الانفلات الأسري والتخلي عن القيم والتقاليد ، فتزايدت في الآونة الأخيرة جرائم التعدي علي القيم الأسرية ، ولقد تصدت الأجهزة الشرطية والنيابة العامة لهذه التعديات ، وقدمت المتهمين للمحاكمة في عدة قضايا منها القضية 2128 لسنة 2020 جنح مدينة نصر أول ، القضية رقم 979 لسنة 2020 جنح الأوزبكية . .
ولقد كُللت هذه الإرهاصات بتنبه المشرع المصري إلي حماية القيم والمبادئ الأسرية بموجب المادة 25 من قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ، والتي جرمت التعدي علي أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري ، ورصدت للجاني عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .
وفي الحقيقة فإن هذا النص بالرغم من أهميته وحسن مقصده فإن صياغته مطاطة وغير محددة ويختلف تفسيره علي حسب الثقافة والمكان والزمان ، بل وفي ظل وسيلة ارتكاب الجريمة المتمثلة في الإنترنت تزداد الصعوبة ، فما يعتبر قيم أسرية في مصر قد لا يعتبر كذلك في دولة آخري ، وهو ما يثير بعض الجدل .
ومن ثم فقد يرى البعض أن النص له تفسيرات عديدة ، حيث يمكن النظر إليه علي أنه يقصد به تجريم التحريض على الفجور أو الرزيلة ، أو التعري ، فيكون كل ذلك من الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية فى المجتمع المصري .
في حين قد ينظر البعض الآخر إلي القيم الأسرية علي أنها الترابط الأسرى، وبِر الوالدين واحترامهما، وتقوية العلاقة بين الزوجين، وحُب الأسرة والانتماء لها ، واحترام الصغير للكبير ، وعطف الكبير علي الصغير ، والعلاقة الحسنة بالجيران ، أما المعني الذي قصده النص هو الحفاظ علي سمعة العائلات ، وعدم خدش الحياء ، أو نشر العري ،أو الدعوة للرزيلة كل ذلك قد لا يصل إلي ذهن المخاطبين بالنص .
كل ذلك يدعو للقول بأن النص فيه نوع من المطاطية التي تخالف مبادئ صياغة النصوص بأن تكون محددة الكلمات ، ودقيقة المعاني ، وواضحة القصد .
ونقد صياغة النص لا يقلل من أهميته ، ولا يقلل من جهد المشرع اليقظ الذي نشط للتصدي للسلوكيات التي لا يقصد من ورائها سوي نشر كل ما هو سيئ ، ويري المختصين أن هذا المنهج للمشرع المصري يعد منهجاً محموداً وغير مسبوق في التصدي لحماية القيم الأسرية السامية فى المجتمع والتى تضرب بجذورها منذ قدم التاريخ .
وإزاء ظهور بعض الظواهر السيئة فكان لابد وأن يكون للقانون يد طولي تضرب كل ما هو مخالف للقيم والمبادئ ينتهك الآداب والحشمة العامة وقيم المجتمع .
ولقد تصدي المشرع لحماية القيم والمبادئ الأسرية في ثلاث مواضع :
1- في مواد قانون العقوبات التى تجرم نشر صور ومقاطع فيديو خادشة للحياء: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد عن 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من نشر صورًا بقصد العرض إذا كانت خادشة للحياء العام، حسبما تنص المادة 178 عقوبات.
2 – الدعوة بالإغراء للدعارة على مواقع التواصل الاجتماعي: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 3 سنوات وبغرامة لا تجاوز 100 جنيه لكل من أعلن بأية طريقة من طرق الإعلان دعوة تتضمن إغراء بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار، وفق المادة 14 من قانون رقم 10 لسنة 1960.
3- الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية فى المجتمع المصري: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصري – المادة 25 من قانون 175 لسنة 2018 – فى شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
إنشاء حساب وإدارته على الإنترنت للتحريض على الفجور: يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا “المادة 27 من قانون 175 لسنة 2018 بشأن تقنية المعلومات .